نشرت صحيفة هارتس مقالا للكاتب برادلي بيرستون قال فيه <حين يتعلق الامر بالشرق الاوسط فان حرفة صناعة السلام تشبه كثيرا فن الحرب خاصة حين تذهب في اتجاه خاطيء وحين يتعلق الامر بالدبلوماسية الاسرائيلية-الفلسطينية خلال العامين اللذيت قضتهما إدارة اوباما،فلم يحدث الكثير من الامور الصحيحة
الآن، وبعد عودة البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية إلى المربع الأول، فإن هذا يقودنا إلى استحضار كتاب سن تزو الصيني "فن الحرب"، لنعرف كيف سارت الأمور في الاتجاه الخاطئ، وإن كان ثمة جدوى من المحاولة، خلال العامين المقبلين، لوضعها في الاتجاه الصحيح.
"لا يمكننا أن ندخل في أحلاف حتى نعلم أهداف جيراننا". و"سينتصر من يجهز نفسه، وينتظر حتى يكون العدو في حالة عدم استعداد".
وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض من خلال القيام بواجباته. وهو رجل يعمل بجد. وقد قام بواجباته فيما يتعلق بإصلاحات الرعاية الصحية، والأزمة الاقتصادية، والحروب في العراق وأفغانستان.
لكن الرئيس الأميركي هو أيضا كائن بشري، ويبدو أن هناك حدا لما يمكن أن يقوم به الشخص من عمل. ويبدو أنه عند النقطة التي بدأ فيها بالتعامل مع قضية فلسطين وإسرائيل، فإن باراك أوباما قد وصل إلى ذلك الحد.
كان يجب أن تكون أول مجالات العمل والبحث بشأن الشرق الأوسط هو التوقعات المعقولة لعملية صنع السلام بوجود إسرائيل التي يحكمها رجل تعتبر رؤيته للمكانة التاريخية متأثرة – إن لم نقل محددة - بآراء والده المتشدد الذي ما زال واعيا ومدركا مع بلوغه مئة عام من العمر.
أما الموضوع التالي على قائمة الاهتمامات فكان يجب أن يكون احتمالية أن يتم توجيه اتهامات بغسيل الاموال إلى أفيغدور ليبرمان، الحارس السابق للنادي الليلي، والذي عقد العزم على منع الدخول إلى أية عملية سلمية.
والأمر الثالث كان ينبغي أن يكون التقييم الواقعي لفرصة تقارب فعال بين السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس في رام الله، واسماعيل هنية في قطاع غزة.
إن عدم تحقيق أي تقدم في أي من هذه العناصر الثلاثة على حدة، كان يمكن أن يعرقل مساعي واشنطن السلمية. أما الفشل فيها معا، فكان ضمانا للهزيمة.
لكن تلك كانت البداية فحسب. فـ"المحارب الذكي يفرض إرادته على العدو، لكنه لا يسمح للعدو بفرض إرادته عليه".
ومع مضي الشهور، تم التلاعب بطلب أوباما تجميد الاستيطان بأيدي اليمين الإسرائيلي المؤيد للاستيطان.
ومع مضي الشهور، تم التلاعب بطلب أوباما تجميد الاستيطان بأيدي اليمين الإسرائيلي المؤيد للاستيطان.
لو وضعت أسس أكثر للعمل، لكانت الإدارة قد استنتجت ربما بشكل صحيح، أن المطالبة بتجميد الاستيطان كانت ستؤدي للضرر أكثر من النفع. وبعد حدوثه، فقد جعل التجميد واشنطن تبدو بمظهر سيء لعدم تحقيق أي جدوى وتسبب لها بألم كبير. لقد كانت قوة عظمى في طريقها إلى التدهور، وكانت عرضة للإذلال على يد حليفها، الممثل بموظفي البلدية في الكواليس، أما الشاهد فكان نائب الرئيس جو بايدن.
ولو كانت الإدارة افسحت لنفسها المزيد من الوقت والاهتمام، فلربما كانت ستدرك مقدما أن التجميد كما نصت عليه لن يكون كافيا لإحضار السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات. وفي الواقع، فإن التجميد، مع الخلاف المستمر عالي المستوى المتعلق بالاستيطان الاسرائيلي في القدس الشرقية، كان يمثل لشهور سبب عرقلة المفاوضات وتأخيرها.
هذا الخلاف، إضافة إلى انتظار السلطة الفلسطينية طويلا قبل الموافقة على الدخول مجددا في عملية التفاوض، عمل على تقوية خصوم أوباما المؤيدين للاستيطان المعارضين للسلام في إسرائيل والولايات المتحدة.
ثم كانت هناك مسألة خطاب أوباما في القاهرة إلى العالم العربي والإسلامي. وقد علق عليه الكاتب (الإسرائيلي) ناحوم بارنيع، الذي كان يزور شيكاغو للقاء رام إيمانويل: "كانت النية حسنة، لكن النتائج كانت مدمرة"، لقد سعى أوباما إلى فتح صفحة جديدة مع الشعوب العربية والمسلمة، لكن في أعقاب الخطاب "لم ينجح في كسب المسلمين، وخسر الإسرائيليين".
وفقا لبارنيع، فإن "طريق أوباما في تحولات وانعطافات الشرق الأوسط كان ممهدا بالأخطاء"، وقائمة بارنيع لأخطاء أوباما تشمل:
الخطأ الأول: كان أوباما مقتنعا بأن القضية الفلسطينية كانت الأولوية بالنسبة للقادة العرب المؤيدين لأميركا، وأن عملية سلمية فعالة كانت ستكسب امتنانهم.
الخطأ الثاني: مع العلم بمحتويات وثائق "ويكيليكس"، فإن ما كان القادة العرب يريدونه حقا من الولايات المتحدة كان "القضاء على إيران من اجلهم".
الخطأ الثالث: تحويل عملية السلام إلى "رهينة لتجميد الاستيطان".
الخطأ الرابع: التفكير في أن إيهود باراك كان يمكن أن يلين مواقف نتنياهو.
الخطأ الخامس: القيام بالخطأ نفسه الذي وقع فيه أوباما مع العرب مجددا مع إسرائيل، وهو "أنه ظن أن هناك صلة بين ما يقوله (نتنياهو) علنا، وما يقوم به عمليا".
"لا تتحرك إلا إذا كانت هناك مصلحة، ولا تستخدم قواتك إلا إذا كان هناك ما يمكن الفوز به، ولا تقاتل إلا إذا كان الموقف حرجا".
الخطأ الأخير، ولعله أسوأ الأخطاء، كان يمكن تجنبه لو كان أوباما يدرك اثنين من الأمور التي يتشابه بها الفلسطينيون والإسرائيليون:
أولا: هم يقاومون الضغط كما لو كان وجودهم يعتمد على ذلك - حتى في تلك الحالات التي يمكن أن يتحسن فيها وجودهم إذا ما استجابوا للضغط.
ثانيا: يمكنهم أن يشموا رائحة اليأس على بعد 6000 ميل.
الإثبات: العرض الفاشل الذي قدمه أوباما لمنح إسرائيل مساعدات تاريخية مقابل تجميد قصير ومحدود للاستيطان.
"كن دقيقا إلى أبعد الحدود، حتى في المراحل غير المحددة. وكن غامضا إلى أبعد الحدود، حتى في نقاط الجمود. وبذلك تكون المسيطر على مصير خصمك".
ما الذي كان يمكن أن يفعله أوباما بشكل مختلف؟
أمر واحد: كان يمكنه ان يشن حملة محددة جدا عبر الطرق الخلفية لرعاية سلام إسرائيلي مع سوريا، كان يمكنه بذلك أن يعزز كلا من الاتصالات التي قام بها نتنياهو خلال فترته الأولى (1996-1999) مع سوريا، وكذلك الرغبة التي عبرت عنها دمشق ببناء علاقات جديدة مع الغرب.
أمر واحد: كان يمكنه ان يشن حملة محددة جدا عبر الطرق الخلفية لرعاية سلام إسرائيلي مع سوريا، كان يمكنه بذلك أن يعزز كلا من الاتصالات التي قام بها نتنياهو خلال فترته الأولى (1996-1999) مع سوريا، وكذلك الرغبة التي عبرت عنها دمشق ببناء علاقات جديدة مع الغرب.
لو كان قد نجح، لكان قوض التأثير الإيراني في لبنان. ولكان الائتلاف الإسرائيلي قام بتعديلات شبه مؤكدة لتأسيس الانسحاب من الجولان، مع إدماج "كاديما" الذي كان سيمهد الطريق لاختراقات محتملة مع الفلسطينيين.
ولربما كانت السلطة الفلسطينية و"حماس" قد خضعتا لضغط شعبهما للعمل معا والعودة للتفاوض بشأن الدولة الفلسطينية.
في الواقع، فما زال من الممكن تحقيق هذا السيناريو. لقد أشار زميلي عاموس هاريل اخيرا إلى أن كبار ضباط الجيش الإسرائيلي يوصون منذ شهور باستئناف محادثات جوهرية مع سوريا.
أيا كان الاتجاه الذي يتخذه أوباما خلال النصف الثاني من فترته الرئاسية بين البحر المتوسط ونهر الأردن، فهو إما أن يطبق مبادئ سن تزو في "فن الحرب" أو يتحداها.
يمكن لأوباما، إلى جانب إسرائيل والفلسطينيين، تجاوز مقطع واحد على الأقل من "فن الحرب"، وهو مقطع يعرفونه جميعا بشكل جيد: "لم تكن هناك قط جدوى من أية حرب مطولة".